فصل: 157- دعوى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



.156- دعارة:

1- التعريف:
الدَّعارَةُ في اللغة: هي الفِسْقُ. وعُودٌ دَعِرٌ أَي كثير الدخان. قال ابن فارس: الدال والعين والراء أصلٌ واحد، يدلُّ على كراهةٍ وأذى، وأصله الدُّخَان: يقال عُودٌ دَعِرٌ، إذا كان كثيرَ الدُّخان، قال ابنُ مُقبِل:
باتَتْ حواطِبُ لَيْلَى يلتمسْن لها ** جَزْل الجِذَى غَيْرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ

ومن ذلك اشتقاق الدَّعارة في الخُلُق، وَالدَّعَر: الفَساد.
وهي في اصطلاح الفقهاء: الفسق والفجور.
وعرفها ابن الأثير فقال: (الدعارة: الفساد والشر، ورجل داعر خبيث مفسد، ومنه الحديث كان في بني إسرائيل رجل داعر؛ ويجمع على دعار).
والدعارة وإن كانت لفظ عام في كل شر، إلا أنها في الأمور المتعلقة بالزنا ودواعيه من دياثة، وقوادة، ونحوها أخص.
2- حكم الدعارة:
الدعارة بشتى صورها محرمة، لأنها كما عرفها الفقهاء، وأهل اللغة، فسق وفجور، والفسق أعم من الكفر، قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ. أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [سورة السجدة 18-20].، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة 67].
ومن معاني الدعارة كما سبق الفجور وهو كما قال الجرجاني: (هيئة حاصلة للنفس، بها يباشر أمورا على خلاف الشرع والمروءة).
وقال الجاحظ: الفجور هو الانهماك في الشهوات، والاستكثار منها، والتوفر على اللذات، والإدمان عليها، وارتكاب الفواحش، والمجاهرة بها، وبالجملة هو السرف في جميع الشهوات. وقد حكم الله سبحانه وتعالى ولا معقب لحكمه على الفجار بالجحيم، في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ.وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار 13-14]. وقال تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ. تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ. أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس 40-42].
والفجور يطلق على فعل الزنا كما في قصة الغامدية رضي الله عنها التي أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تائبة فقالت: (إني فجرت....).
3- أقوال العلماء في أهل الدعارة:
قال الحطاب المالكي في معرض كلامه عن الدار المؤجرة: (وكذلك إذا ظهر فيها الدعارة والطنابير والزمر وشرب الخمر وبيعها فليمنعه الإمام وليعاقبه، فإن لم ينته أخرجه عن جيرانه وأكراها عليه ولا يفسخ الكراء).
وقال الطرابلسي: (رجل دخل على رجل في منزله فبادره صاحب المنزل فقتله وقال: إنه داعر دخل عليَّ ليقتلني، فإن كان الداخل معروفا بالدعارة لم يجب القصاص، وإن لم يكن معروفا وجب). وقال أيضا: (إذا رفع للقاضي رجل يعرف بالسرقة والدعارة فادعى عليه بذلك رجل فحبسه لاختبار ذلك فأقر في السجن بما ادعى عليه من ذلك فذلك يلزمه، وهذا الحبس خارج عن الإكراه).
وقال ابن فرحون: (ومن استرعي عليه الشهادة أنه من أهل الفسق والدعارة والشر ومجانبة أهل الخير والصلاح، وثبت عليه هذا، وجبت عقوبته وإطالة سجنه حتى تظهر توبته ويصلح حاله، ولو شهد له شهود عدول مع هذه الشهادة بأنه من أهل العافية والصلاح، لم تفد شهادتهم شيئا والشهادة الأولى أعلم؛ لأنهم شهدوا بباطن، والثانية بظاهر، فالأولى أقوى إلا أن يكون عنده مدفع).
وقال الجصاص: (واختلف الفقهاء في حد المحصن وغير المحصن في الزنا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: يرجم المحصن ولا يجلد ويجلد غير المحصن، وليس نفيه بحد وإنما هو موكول إلى رأي الإمام إن رأى نفيه للدعارة فعل كما يجوز حبسه حتى يحدث توبة).
وقال الطحاوي: (ذهب قوم إلى أن البكر إذا زنى، فعليه جلد مائة وتغريب عام جميعا، واحتجوا في ذلك، بهذه الآثار. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: حد البكر إذا زنى جلد مائة ولا نفي عليه مع الجلد إلا أن يرى الإمام أن ينفيه للدعارة التي كانت منه فينفيه إلى حيث أحب كما ينفى الدُّعار وغير الزناة).
3- عقوبة الدعارة:
الدعارة تختلف عقوبتها بحسب نوع الجريمة، فمنها ما يوجب الحد كفعل الزنا بإيلاج، ومنها ما يوجب التعزير كفعل مقدمات الزنا، وفتح دور للدعارة والقوادة، ونحو ذلك، وفي جميع الأحوال فإن الدعارة بوابة الفساد والانحلال الأخلاقي، فهي تحتاج إلى عقوبة شديدة ورادعة.

.157- دعوى:

1- التعريف:
الدَّعْوَى في اللغة: اسمٌ لما يَدَّعيه الشخص، يقال: دعوى فلان كذا، أي قوله، وجمعها دعاوى، ودعاوٍ.
وفي الاصطلاح: الدعوى: قول مقبول عند القاضي يقصد به قائله طلب حق معلوم قبل غيره حال المنازعة، أو دفعه عن حق نفسه.
وفي القانون الوضعي: هي الحق الذي يعود لكل ذي مطلب بأن يتقدم به إلى القضاء للحكم له بموضوعه.
2- حكم الدعوى:
لما كانت الدعوى في حقيقتها إخبارا يقصد به طلب حق أمام القضاء، وهي تحتمل الصدق والكذب، فمن البدهي أن تكون محرمة إذا كانت دعوى كاذبة، وكان المدعي يعلم ذلك، أو يغلب ذلك على ظنه.
أما إذا كان يغلب على ظنه أنه محق في دعواه، فهي عندئذ تصرف مباح، فله أن يرفعها، إلا إذا كان يقصد بها الضرار، فتكون محرمة، كما لو كان يعلم أن غريمه لا ينكر حقه، وأنه على استعداد لتوفيته إياه، فيرفع الدعوى للتشهير به، فتكون محرمة.
3- أركان الدعوى:
أركان الدعوى عند جمهور الفقهاء هي:
1= المدعي: هو من يلتمس بقوله أخذ شيء من يد غيره، أو إثبات حق في ذمته.
2= المدعى عليه: هو من ينفي دعوى المدعي.
3= المدعى به: هو الحق الذي يطالب به المدعي، فهو موضوع الدعوى.
4= القول الذي يصدر عن المدعي: وهو طلب حق لنفسه أو لمن يمثله.
4- أنواع الدعاوى باعتبار صحتها:
* أولا: الدعوى الصحيحة: وهي الدعوى المستوفية لجميع شروطها، وتتضمن طلبا مشروعاً، وهذه الدعوى يترتب عليها جميع أحكامها، فيكلف الخصم بالحضور، وبالجواب إذا حضر، وتطلب البينة من المدعي إذا أنكر خصمه، وتوجه اليمين إلى المدعى عليه إن عجز المدعي عن البينة.
* ثانيا: الدعوى الفاسدة: وهي الدعوى التي استوفت جميع شروطها الأساسية، ولكنها مختلة في بعض أوصافها بصورة يمكن إصلاحها وتصحيحها، كأن يدعي شخص على آخر بدين ولا يبين مقداره، أو يدعي عليه استحقاق عقار ولا يبين حدوده؛ وترجع أسباب الفساد في الدعوى إلى تخلف أحد شرطين هما:
أ- شرط المعلومية: معلومية المدعى، كما في المثالين السابقين، أو معلومية سبب الاستحقاق فيما يشترط فيه ذكره من الدعاوى.
ب- الشروط المطلوبة في التعبير المكون للدعوى، كما لو كانت الدعوى في طلب عين من الأعيان، ولم يذكر المدعي فيها أنها بيد المدعى عليه، أو يكون متردداً في الألفاظ التي يستعملها، كأن يقول: أشك أو أظن أن لي على فلان ألف درهم مثلا. ففي جميع هذه الحالات لا ترد الدعوى، وإنما يطلب من المدعي إكمال ما ينقصها، فإن فعل ذلك نظرت دعواه، وطلب الجواب من خصمه، وإلا فترد إلى أن يصححها.
وهذا الاصطلاح في تسمية هذه الأنواع من الدعاوى بالفاسدة اختص به فقهاء الحنفية. غير أن فقهاء الشافعية ذكروا هذا النوع من الدعاوى، وجعلوا له الأحكام ذاتها، إلا أنهم يسمونها بالدعاوى الناقصة. والدعوى الناقصة عندهم هي: كل دعوى يفتقر الحاكم في فصل الخصومة معها إلى شيء آخر.
* ثالثا: الدعوى الباطلة: وهي الدعوى غير الصحيحة أصلا، ولا يترتب عليها حكم؛ لأن إصلاحها غير ممكن. وتعود أسباب البطلان في الدعاوى إلى فقد أحد الشروط الأساسية المطلوبة فيها. ومن أمثلة الدعوى الباطلة الدعوى التي يرفعها الشخص، ولا يكون له في رفعها صفة، كأن يكون فضولياً، فلا تسمع دعواه وتكون باطلة؛ وكذلك الدعوى المرفوعة على من ليس بخصم، والدعوى المرفوعة ممن ليس له أهلية التصرفات الشرعية، والدعوى التي لا تستند إلى حق ولو في الظاهر، كمن يطلب في دعواه الحكم على آخر بوجوب إقراضه مالا لأنه معسر، ودعوى ما ليس مشروعا، كدعوى المطالبة بثمن خمر، أو خنزير، أو ميتة.
5- أقسام الدعاوى عند ابن تيمية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الدعاوى قسمان: دعوى تهمة، وغير تهمة. فدعوى التهمة: أن يدعي فعلا يحرم على المطلوب يوجب عقوبته؛ مثل قتل؛ أو قطع طريق أو سرقة؛ أو غير ذلك من أنواع العدوان المحرم كالذي يستخفي به بما يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأوقات في العادة. وغير التهمة: أن يدعي دعوى عقد من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان أو دعوى لا يكون فيها سبب فعل محرم؛ مثل دين ثابت في الذمة من ثمن بيع أو قرض أو صداق أو دية خطأ أو غير ذلك. فكل من القسمين قد يكون دعوى حد لله عز وجل محض كالشرب والزنا؛ وقد يكون حقا محضا لآدمي: كالأموال؛ وقد يكون فيه الأمران كالسرقة وقطع الطريق. فهذان القسمان إذا أقام المدعي فيه حجة شرعية وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه; لما روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم؛ ولكن اليمين على المدعى عليه»، وفي رواية في الصحيحين عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه»، فهذا الحديث نص أن أحدا لا يعطى بمجرد دعواه....
6- دعوى الحسبة:
الدعوى هي طلب شخص حقه من آخر في حضور الحاكم كما سبق، فهي أصلا تحتاج إلى طالب وهو المدعي، ومطالب به وهو المدعى به، ومطلوب منه وهو المدعى عليه. وإذا كان المدعى به من حقوق العباد فلا تتحقق الدعوى بغير الطلب من مدع معين كما هو الأصل. أما إذا كان من حقوق الله تعالى كالحدود والتعدي على ما يرجع منافعه للعامة، فلا تحتاج إلى مدع خاص، وتقبل فيها شهادة الحسبة. قال الدكتور/ عبد الكريم زيدان: (وفي نطاق القضاء يراد بدعوى الحسبة، تلك الدعوى التي يتقدم بها الشخص إلى القاضي دون أن يطلب بها حقاً خاصا لنفسه، وإنما يطلب بها حقا لله تعالى، ويكون هو مدعياً وشاهداً في آن واحد في هذه الدعوى، كما لو ادعى شخص بأن فلانا طلق زوجته ثلاثا وهو لا يزال يعاشرها معاشرة الأزواج ويطلب التفريق بينهما).
7- ذكر السبب في الدعاوى الجنائية:
لم يختلف الفقهاء في وجوب ذكر السبب في الدعوى الجنائية، ففي دعوى القتل مثلا يشترط ذكر القتل وهل هو عن عمد أو عن خطإ، وإلا فإن الدعوى لا تكون صحيحة حتى يصححها صاحبها، وسبب ذلك أن الفائت بالقتل ونحوه من الجنايات لا يعوض، وقد يحكم بشيء لا يمكن رده بعد الحكم، ولأن الأحكام الصادرة في هذه الدعاوى تتعلق بالأصول التي جاء الإسلام لحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فلا يجوز التهاون في أمرها، ولأن الحدود والقصاص تدفع بالشبهات، وعدم التفصيل في دعواها يورث شبهة، فلا تقبل.
8- الدعوى الكيدية: (انظر: مصطلح: كيد).
9- الدعوى العامة:
الدعوى العامة هي: المطالبة بحق عام لا يخص شخص بعينه، بل يشترك فيه كافة المجتمع كالدعوى على شارب الخمر، وعلى متعاطي المخدرات، وفي جرائم القتل بعد سقوط القصاص، والدعوى على كل من ارتكب جريمة تشكل خطرا على الأمن العام، فالحق المتعلق بهذه الجرائم هو حق عام لكل أفراد المجتمع.
قال الدكتور/ سعد بن ظفير: (إن الذي يتولى إقامة الدعوى بحقوق الله تعالى هو الحاكم المسلم، أو نائبه، ورجال الحسبة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غيرهم ممن يدخلون تحت هذا المصطلح.فقد أناط الشرع الإسلامي مهمة إقامة الحدود بهم لاعتبارات هامة، ويتضمن هذا التكليف إقامة الدعوى بها. والذي يتولى هذه السلطة اليوم هو ما اصطلح على تسميته بالمدعي العام أو نائب المدعي العام، كما هو الاصطلاح في المملكة العربية السعودية، وبعض البلاد العربية الأخرى؛ أو النيابة العامة كما هو الحال في بعض القوانين العربية).